Saturday, 7 April 2012

متى يكون المدرك منا للركوع مدركاً للركعة ؟ للشيــخ الألبـاني رحمه الله

السَّائل:

متى يكون المُدْرِكُ مِنَّا للركوع مُدْرِكًا للركعة؟ الإمام راكعٌ إذا أدركناه في الرُّكوع هل نكون مُدركين للركعة؟

الشَّيخ:

هذه مسألة خلافية بين جمهور الأئمة وبعض الأئمة؛ جمهور الأئمة،
وفي مقدمتهم الأئمة الأربعة على أن مدرك الركوع مُدركٌ للرَّكعة.


بعض الأئمة كالإمام البخاري -من السلف- والإمام الشوكاني -من الخلف الصالح- يرون –وما بينهما كثير-
يرون أنَّ مدرك الركوع لا يعتد بتلك الركعة؛
لأنه قد فاته قراءة الركن ألا وهو الفاتحة.

وأرى أنَّ المذهب الأول مذهب الجمهور هو الصواب في هذه المسألة،
وإن كنت -كما تعلمون إن شاء الله- لست جمهوريًّا؛
وإنما أنا أتبع الحق حيثما كان مع الكثير أو القليل؛ وذلك لأسباب منها -وهو أهمها-:
أنه قد ثبت لديَّ الحديث الذي رواه أبو داوود في سننه بإسنادٍ غير إسناده، أنَّ من أتى الإمام وهو راكع؛ فليركع، وليعتد بالركعة. وإذا وجد الإمام ساجدًا فليسجد، ولا يعتد بالركعة، فأُخِذَ من هذا أن مدرك الركوع مدرك للركعة.


لكن حديث أبى داود بلا شك فيه ضعف ظاهر، وإن كان هذا الضعف ليس شديدًا؛ بل ولو كان شديدًا لأستغنينا عنه بإسنادين آخرين مدارهما على رجل من الأنصار، وأعني بإسنادين، باعتبار من أخرجهما، ولا أعني بإسنادين كل من المخرجين رواه بإسناد أولاً، ثم رواه آخر بإسناد ثان. لا.

وإنما أعني أن الإمام البيهقي -رحمه الله- روى في هذا الحديث الذي في سنن أبي داود [..] بإسناد قوي عن رجل من الأنصار من طريق عبد العزيز بن رُفيْع، عن رجل من الأنصار أن النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال، وذكر معنى الحديث الذى ذكرته لكم آنفًا.

علة هذا الإسناد في رواية البيهقي أننا لم نعلم أنَّ هذا الرجل الأنصاري أهو تابعي أم هو صحابي؟


وإن كان يتبادر إلى الذهن أنه صحابي؛ لأن الراوي عنه تابعي معروف؛ وهو: عبد العزيز بن رُفيْع؛ ولكن الإنصاف يقتضينا أنَّ هذا التلازم ليس ضروريًّا في الأسانيد؛ أي: لا يلزم من رواية تابعي عن رجل من الأنصار، أو رجل من المهاجرين، أن يكون هذا الرجل أو ذاك صحابيًا؛ لاحتمال أن يكون ابن صحابي من جهة، ولأنَّه قد وقفنا مرارًا وتكرارًا على بعض الأسانيد يرويه التابعي عن تابعي عن صحابي.


وذكر الحافظ بن حجر أنه بالاستقراء تبين أنه في بعض الأحاديث بين التابعي الأول والصحابي أربعة من التابعين آخرين! أي: خمسة تابعين على التسلسل، ثم يأتي بعد ذلك الصحابي؛ تابعي، عن تابعي، عن تابعي، عن تابعي، عن تابعي، عن الصحابي، فضلاً عن تابعي، عن تابعي، عن تابعي، عن تابعي، عن صحابي، فضلاً عن تابعي، عن تابعي، عن تابعي عن صحابي، وهكذا.


فحينما نجد مثل هذه الرواية: عبد العزيز بن رُفيْع تابعي، عن رجل من الأنصار؛ ترى هذا صحابي أم تابعي!؟ يحتمل!
ثم وجدنا -والحمد لله- أن هذا الاحتمال طاح وراح إلى حيث لا رجعة، فقد جاء في كتاب: "المسائل" لإسحاق بن منصور الْمَرْوَزِيّ، عن الإمام أحمد، وعن اسحاق بن راهويه، روى الْمَرْوَزِيُّ هذا باسناده الصَّحيح، عن عبد العزيز بن رُفيْع عن رجل من الأنصار من أصحاب النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم، هذا غطَّى الموضوع، وجعل الإسناد موصولاً بعد أن كان يحتمل أن يكون مرسلاً؛ وبذلك صح الحديث، وقامت الحجة.


يضاف إلى ذلك آثار عن كبار الصحابة؛ وعلى رأسهم أبو بكر الصديق، وآخرهم سنًّا عبد الله بن عمر بن الخطاب، كلهم قالوا: بأن مدرك الركوع مدركٌ للركعة؛ فاتفقت الآثار السلفية الصحيحة مع هذا الحديث الصحيح -والحمد لله-، وثبت بذلك أرجحية مذهب الجمهور على المخالفين، وإن كان بعض العاملين بالحديث إلى زمننا هذا لا يزالون يفتون بأن مدرك الركوع ليس مدركًا للركعة.
وأذكر أن أحد الغُماريين -وإن كان هو من أهل الأهواء ومن الصوفية، الذين لهم طرق انحرفوا بها عن السنة- ألَّف رسالة يؤكِّد فيها أن الصَّواب أن مدرك الركوع ليس مدركًا للركعة.


والواقع أنه هو شأنه في ذلك شأن بعض أهل الحديث في الهند فاتتهم هذه الرواية الصحيحة، التي لا تزال موجودة في ذاك المخطوط النادر العزيز في المكتبة الظاهرية، مخطوط من النوادر لأنه يعود تاريخ كتابته إلى العهد القريب من الإمامين: أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه.


ولو أنهم وقفوا على هذه الرواية لانقلبت وجهة نظرهم من تأييد الرأي المخالف للجمهور، إلى تأييد رأي الجمهور في هذه المسألة.
وهم لا يخفى عليهم بعض تلك الآثار؛ ولكنهم يطبقون القاعدة التى ينبغي على المسلم أن يلتزمها؛ وهي: "أن الأثر إذا جاء مخالفًا للنص ولو بإجتهاد؛ فلا ينبغى أن نأخذ بالأثر"؛ أعني بالأثر هنا ما أشرت إليه آنفًا من الأثر عن أبي بكر، وعن ابن عمر، وبينهما جماعة آخرون كثيرون؛ كزيد بن ثابت، وعبد الله بن مسعود، وهم أربعة من الصحابة، وهم -كما ترون- من أكابر الصحابة، رأوا وصرَّحوا بأن مدرك الرُّكوع مُدرِكًا للرَّكعة.


فهم لم يأخذوا بهذه الآثار لتوهمهم أنها مخالفة لقوله عليه الصلاة والسلام: ((لاَ صَلاَةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ)).
ونحن نرى أن هذا العموم الشامل لهذا الجزء لا يشمله؛ لما ذكرناه في غير هذه الجلسة أكثر من مرة؛ ولهذا الحديث الصحيح. وبذلك ينتهي الجواب عن هذا .

المصــدر
مــوقع الشيخ محمد نـاصر الدين الألباني
تفـريغ شريط اللهـو المبـاح واللهـو المحرم
الشريط رقم 32 فتاوي جدة
هنــــا

1 comment:

  1. بارك الله فيك حبيبتي توبة ورزقنا وإياكم الصواب في القول والعمل آمين

    ReplyDelete