أسباب الثبات على الدين
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله- صلى الله عليه وسلم -، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًاعبده ورسوله، وبعد:
فإن حاجة المسلم اليوم لأسباب الثبات على الدين والتمسك به عظيمة جدًا، لانتشار الفتن، وقلة الناصر، وغربة الدين، ومن تلك الأسباب:
أولًا: الإقبال على القرآن العظيم حفظًاوتلاوة وعملًا، فهو حبل الله المتين، وصراطه المستقيم، من تمسك به عصمه الله، ومن أعرضعنه ضل وغوى، أخبر تعالى أن الغاية التي من أجلها أنزل هذا القرآن مفرقًا هي التثبيت،قال تعالى: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا ﴾ [الفرقان:32].
ثانيًا: الإيمان بالله والعمل الصالح، قالتعالى: ﴿ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِالدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَايَشَاءُ ﴾ [إبراهيم: 27].
قال قتادة: أما الحياة الدنيا فيثبتهم بالخيروالعمل الصالح، وفي الآخرة في القبر.
وقال تعالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَاعَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُإِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًالَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا ﴾ [النساء: 66].
وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يداومعلى الأعمال الصالحة،
وكان أحب العمل إليه أدومه وإن قل، وكان أصحابه إذا عملوا عملًاأثبتوه.
وكان أحب العمل إليه أدومه وإن قل، وكان أصحابه إذا عملوا عملًاأثبتوه.
ثالثًا: تدبر قصص الأنبياء ودراستها للتأسيوالعمل، والدليل على ذلك قوله تعالى:
﴿ وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِمَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَىلِلْمُؤْمِنِينَ ﴾
[هود: 120].
﴿ وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِمَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَىلِلْمُؤْمِنِينَ ﴾
[هود: 120].
فالآيات تنزل لتثبت فؤاد النبي - صلى الله عليه وسلم -
وأفئدة المؤمنين معه مثل قصة إبراهيم، وموسى، ومؤمن آل فرعون وغيرها.
وأفئدة المؤمنين معه مثل قصة إبراهيم، وموسى، ومؤمن آل فرعون وغيرها.
رابعًا: الدعاء، فإن من صفات عباد اللهالمؤمنين أنهم يتوجهون إلى الله بالدعاء أن يثبتهم كما علمنا سبحانه أن نقول: ﴿ رَبَّنَالَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا ﴾ [آل عمران: 8]. "إن قلوب بنيآدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن، كقلب واحد يصرفه حيث يشاء"[1].
كما أخبر ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم- عن عائشة - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يكثر أن يقول:"يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك"[2].
خامسًا: ذكر الله، وهو من أعظم أسباب التثبيت،وتأمل في هذا الاقتران في قوله - عز وجل -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [الأنفال: 45]، فجعله من أعظم ما يعين على الثبات في الجهاد.
سادسًا: الدعوة إلى الله - عز وجل- وهيوظيفة الرسل وأتباعهم.
قال تعالى: ﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوإِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي
وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَاأَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [يوسف: 108].
وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَاأَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [يوسف: 108].
والعبد إذا حرص على هداية الخلق، فإن اللهيجعل ثوابه من جنس عمله، فيزيده هدى وثباتًا على الحق،
كما قال تعالى: ﴿ هَلْ جَزَاءُالْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ ﴾ [الرحمن: 60].
كما قال تعالى: ﴿ هَلْ جَزَاءُالْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ ﴾ [الرحمن: 60].
سابعًا: الرفقة الصالحة، فمصاحبة العلماءوالصالحين والدعاة والمؤمنين، والجلوس معهم، من أكبر العون على الثبات، قال تعالى:﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ
وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾[الكهف: 28].
وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾[الكهف: 28].
وجاء في قصة الرجل الذ قتل تسعة وتسعينإنسانًا: أنه سأل عن رجل عالم فقال: "من يحول بينه
وبين التوبة، انطلق إلى أرضكذا وكذا، فإن بها إناسًا يعبدون الله فاعبد الله معهم،
ولا ترجع أرضك فإنها أرض سوء"[3].
وبين التوبة، انطلق إلى أرضكذا وكذا، فإن بها إناسًا يعبدون الله فاعبد الله معهم،
ولا ترجع أرضك فإنها أرض سوء"[3].
قال ابن القيم - رحمه الله - عن دور شيخالإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في التثبيت في محنة السجن: "وكنا إذا اشتد بناالخوف وساءت منا الظنون وضاقت بنا الأرض، أتيناه فما هو إلا أن نراه ونسمع كلامه؛ فيذهبذلك كله، وينقلب انشراحًا وقوة ويقينًا وطمأنينة، فسبحان من أشهد عباده جنته قبل لقائه،وفتح لهم أبوابها في دار العمل، فآتاهم من روحها ونسيمها وطيبها ما استفرغ قواهم لطلبهاوالمسابقة إليها"[4]. اهـ.
ثامنًا: الثقة بنصر الله وأن المستقبل للإسلام،وهذه طريقة النبي - صلى الله عليه وسلم - في تثبيت أصحابه وهم يعذبون على الإسلام فيأول الدعوة، روى البخاري في صحيحه من حديث خباب بن الأرت: أنه شكا إلى النبي - صلىالله عليه وسلم - ما يجده من التعذيب وطلب منه الدعاء، فقال النبي - صلى الله عليهوسلم -: "والله ليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت، لا يخافإلا الله، أو الذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون"[5].
تاسعًا: الصبر، فإنه من أعظم أسباب الثباتعلى دين الله، قال تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِوَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [البقرة: 153].
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِوَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [البقرة: 153].
روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من يتصبريصبره الله، وما أعطي أحد عطاء خيرًا ولا أوسع من الصبر"[6].
وروى الطبراني في المعجم الكبير من حديثعتبة بن غزوان أخي بني مازن بن صعصعة وكان من الصحابة: أن نبي الله - صلى الله عليهوسلم - قال: "إن من ورائكم أيام الصبر المتمسك فيهن يومئذ بمثل ما أنتم عليه له كأجر خمسين منكم" قالوا: يا نبي الله أو منهم؟ قال: "بل منكم"[7].
عاشرًا: التأمل في نعيم الجنة وعذاب النار،وتذكر الموت، فعندما يتأمل المؤمن قوله تعالى: ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْرَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [آل عمران: 133].
وقوله تعالى: ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ
فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّامَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾ [آل عمران: 185].
فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّامَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾ [آل عمران: 185].
تهون عليه الصعاب، ويزهد في الدنيا، وتشتاق نفسه إلى الدار الآخرة والدرجات العلى.
وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يذكر أصحابه بالجنة ليثبتهم على التمسكبالدين والصبر معه،
فقد مر النبي - صلى الله عليه وسلم - على ياسر وعمار وأمه، وهميؤذون في سبيل الله،
فقال: "صبرًا يا آل ياسر، فإن موعدكم الجنة"[8] [9].
فقد مر النبي - صلى الله عليه وسلم - على ياسر وعمار وأمه، وهميؤذون في سبيل الله،
فقال: "صبرًا يا آل ياسر، فإن موعدكم الجنة"[8] [9].
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
[1]صحيح مسلم برقم (2654)
[2] مسند الإمام أحمد (19/160) برقم (12107)،
وقال محققوه: إسناده قوي علىشرط مسلم وأصله في صحيح مسلم.
رواه الترمذي / حققه الألباني/ صحيح الترمذي / برقم 3522/صحيح
وقال محققوه: إسناده قوي علىشرط مسلم وأصله في صحيح مسلم.
رواه الترمذي / حققه الألباني/ صحيح الترمذي / برقم 3522/صحيح
[3] صحيح البخاري برقم (3470)، وصحيح مسلم برقم (2766).
[4] الوابل الصيب من الكلم الطيب (ص 82)
[5] صحيح البخاري برقم (6943).
[6] صحيح البخاري برقم (1469)، وصحيح مسلم برقم (1053)
[7] سبق تخريجه.
[8]مستدرك الحاكم (4/470) برقم (5696) وصححه الألباني في فقه السيرة (ص107)
[9] انظر رسالة الشيخ محمد المنجد "أسباب الثبات على الدين"
منـــقول
الألوكة
كتبه الدكتور / محمد أمين الشقاوي
الألوكة
كتبه الدكتور / محمد أمين الشقاوي
No comments:
Post a Comment